لم يحدث تاريخياً أن نجح حل بدون عنف في التغيير، فكيف تتم الدعوة له الآ

لم يحدث تاريخياً أن نجح حل بدون عنف في التغيير، فكيف تتم الدعوة له الآن؟

أولا: يجب أن نضبط السؤال علمياً، فالقول بعدم حدوث شيء تاريخياً والجزم بذلك يفتقد الحجة العلمية، خاصة إن وجدت الشواهد التاريخية على عكسه كما سيتبين فيما بعد.

ثانياً: يجب التمييز بين وسائل التغيير الساخنة والباردة، فالتفاوض والحوارات يدخل في وسائل التغيير الباردة، أما اللاعنف فهو يستخدم في ذات القضايا التي يستخدم العنف للتعاطي معها، ويندرج تحت وسائل التغيير الساخنة.لذلك يطلق عليه "سلمي ساخن"



ثالثاً: لقد استخدمت حرب اللاعنف تاريخياً وحققت نجاحات جزئية وأحياناً نجاحات كلية، كما منيت بالتأكيد بإخفاقات، تماماً كما يحدث في حاللات استخدام العنف.
ورغم أن المؤرخين قد رصدوا لنا بعض حركات اللاعنف ما بين العصور الرومانية وحتى القرن الثامن عشر؛[1] إلا أننا سنركز في سردنا لبعض نماذج حركات اللاعنف على حقبة القرن العشرين،حيث اهتزت الخارطة العالمية اهتزازاً، وشهدت القارات موجات تغييرية عارمة، وظهرت تيارات وحركات ترفع ألوية حرب اللاعنف. معلنة إمكانية الفعل، والإحساس بعظمة الذات، صارخة بالرغبة في التحدي والرفض والعصيان، لقد شهد القرن العشرين وحده تجليات رائعة لكلمة "لا". كما أن هذا القرن شهد تبلور مفهوم المقاومة اللاعنيفة بشكل أكثر وضوحاً ومنهج أكثر علمية.

أولاً: القارة الآسيوية:

· استخدمت الثورة الروسية هذا الأسلوب في أوائل القرن العشرين في عام 1905،
· كما استخدمت النقابات العمالية في البلدان المختلفة الإضرابات والمقاطعات الاقتصادية، حيث قاطع الصينيون المنتجات اليابانية في أعوام 1908 و1915 و 1919،
· وفي العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين استخدم المواطنون الهنود حرب اللاعنف في كفاحهم ضد الحكم البريطاني تحت قيادة موهنداس كارماند غانديونجح هذا الكفاح المعروف في حصول الهند على استقلالها عام 1947،
· وفي السبعينات تخوض الثورة الإيرانية ملحمة من ملاحم اللاعنف انتهت بسقوط نظام الشاه الديكتاتوري عام 1979م،
· وفشلت محاولة المتشددين عام 1991 بالإطاحة بالنظام في موسكو نتيجة عدم التعاون والتمرد،
· كما أسقطت ديكتاتورية ماركوس في الفلبين بواسطة التمرد اللاعنيف عام 1986،وفي شهري يوليو وأغسطس من عام 1988 احتج البورميون الديمقراطيون على الديكتاتورية العسكرية باستخدام المسيرات والعصيان مما أدى إلى إسقاط ثلاث حكومات، وانتهى هذا الكفاح اللاعنيف بقيام انقلاب عسكري جديد وبمذبحة شعبية،
· وفي عام 1989 قاد الطلاب الصينيون الاحتجاجات الرمزية ضد الفساد والقمع الحكوميين في أكثر من ثلاثمائة مدينة شملت بكين (ساحة تيانانمن)، وهي الاحتجاجات التي انتهت بالتدخل العسكري وقتل الكثير من المحتجين.

ثانياً: القارة الإفريقية:
· وفي إبريل من عام 1961 أدى رفض الجنود الفرنسيين للتعاون مع سلطات الانقلاب العسكري في الجزائر – المستعمرة الفرنسية حينذاك – وما واكبه من مظاهرات حاشدة في باريس ومن رفض لحكومة ديجول لهذا الإنقلاب، أدى كل هذا إلى إحباط الانقلاب العسكري في الجزائر والذي كان من المخطط – في حال نجاحه - أن يليه انقلاب آخر في باريس،
· كما لعبت الاحتجاجات اللاعنيفة والمقاومة الجماهيرية دوراً مهماً في تقويض سياسات التمييز العنصري والهيمنة الأوروبية في جنوب أفريقيا خاصة في الفترة ما بين عامي 1950 و 1990،

ثالثاً: القارة الأوروبية:
· استخدم الألمان أعمال اللاعنف في مواجهة العصيان المسلح الذي حدث في عام 1920،
· وفي مواجهة الاحتلالين الفرنسي والبلغاري لحوض نهر الرور Ruhr عام 1923،
· وفي الفترة من عام 1940 وحتى 1945 استخدمت جماهير العديد من الدول الأوروبية – خاصة النرويج والدانمارك وهولندا – الكفاح اللاعنيف لمقاومة الاحتلال والحكم النازي، وهو الكفاح الذي تمكن من إضعاف قبضة الحكم النازي، وتعد التجربة النرويجية من أكثر تلك التجارب نجاحاً،
· وفي عامي 1968 و 1969 تمكن التشيك والسلوفاك عقب اجتياح حلف وارسو لأراضيهم من إيقاف السيطرة السوفيتية الكاملة لمدة ثمانية أشهر عبر استخدامهم للكفاح اللاعنيف ورفض التعاون،
· وشهدت الفترة ما بين عامي 1953 وحتى 1990 الاستخدام المتكرر للكفاح اللاعنيف من أجل مزيد من الحرية من قبل المعارضين للأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وخاصة في كل من ألمانيا الشرقية وبولندا والمجر ودول البلطيق.
· ففي بولندا بدأ كفاح حركة التضامن عام 1981 باستخدام الإضرابات لدعم مطالب العمال بنقابات عمالية شرعية وحرة، وهو الكفاح الذي انتهى بسقوط النظام الشيوعي البولندي في عام 1989.
· كما وقف الكفاح اللاعنيف وراء سقوط الديكتاتوريات الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 وفي ألمانيا الشرقية وإيستونيا ولاتفيا وليتوانيا عام 1991.
· أما في كوسوفو فقد شن المواطنون الألبان في الفترة ما بين عامي 1990 و 1999 حملة لا تعاون ضد الحكم الصربي القمعي، وعندما عجزت الحكومة القائمة في كوسوفو عن وضع استراتيجية لاعنيفة من أجل الحصول على الشرعية والاستقلال لجأ جيش تحرير كوسوفو إلى خيار العنف مستخدماً أسلوب حرب العصابات، وهو ما أعقبه حملة قمع صربية وحشية ومذابح جماعية – سياسة التطهير العرقي – تلك السياسة التي أدت إلى تدخل حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) وإلى القصف الجوي.
· وبدءاً من نوفمبر من عام 1996 قام الصرب بمسيرات واحتجاجات يومية في بلجراد ومدن صربية أخرى ضد الحكم المطلق والمستبد للرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش واستطاعوا إيقاف التلاعب بنتيجة الانتخابات التي جرت في منتصف شهر يناير من عام 1997، ومع ذلك فقد فشل الصربيون المنادون بالديمقراطية – حينذاك - في وضع استراتيجية تمكنهم من الاستمرار في الكفاح، كما فشلوا في إطلاق حملة للإطاحة بديكتاتورية ميلوسوفيتش،
· ولكن في بدايات شهر أكتوبر من عام 2000 تمكنت حركة أوتبور (وهي كلمة تعني المقاومة باللغة الصربية) والمجموعات الأخرى المنادية بالديمقراطية من الوقوف مرة أخرى في وجه ميلوسوفيتش عبر خوض الكفاح اللاعنيف – ولكن بأسلوب مخطط ومتأنٍ هذه المرة – وهو الكفاح الذي انتهي بإسقاط الديكتاتورية.

رابعاً: الأمريكتين:
· وفي ربيع عام 1944 تم الإطاحة بالنظامين العسكريين الديكتاتوريين في كل من السلفادور وجواتيمالا باستخدام الكفاح اللاعنيف.
· كما استطاع مناضلو حركات الحقوق المدنية الأمريكية ضد التمييز العنصري المتطرف تغيير القوانين والسياسات المتبعة منذ وقت طويل في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام الكفاح اللاعنيف،
· وتمكنت الجماهير التشيلية من هزيمة الديكتاتور بينوتشيه عام 1987.

هذا السرد التاريخي بنفس التقسيم من كتاب "حرب اللاعنف... الخيارالثالث" إصدار أكاديمية التغيير